تصاعد التوتّر بين إيران واسرائيل وراء تراجع الوساطة السويسرية

لوحة إعلانية معادية لإسرائيل في شوارع طهران عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل.  على الرغم من تمتع سويسرا بتفويض لحماية المصالح الأمريكية في إيران، إلا أنها تفتقر إلى النفوذ الكافي لتهدئة التوترات في المنطقة.  وقد أدى الهجوم الإيراني غير المسبوق بطائرات بدون طيار وبصواريخ على إسرائيل يوم السبت، رداً على هجوم إسرائيلي سابق على مجمّع للسفارة الإيرانية في سوريا، إلى تصاعد التوتّرإلى مستوى جديد في منطقة الشرق الأوسط.

وتقول إيران إنها أرسلت إلى البلدان المجاورة مثل تركيا والعراق والأردن، وكذلك الولايات المتحدة، إشعارا قبل 72 ساعة من شن الضربات. ومع ذلك، تدّعي واشنطن أنها لم تبلّغ بذلك إلا من خلال سويسرا (التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران)، عندما كانت طهران توجّه الضربات بالفعل. ورفضت وزارة الخارجية السويسرية، التي سعت سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) للاتصال بها، التعليق على فحوى الرسائل التي نقلتها إلى الإدارة الأمريكية.

وجاء في رد المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، عبر البريد الإلكتروني، أنّ” الوزارة لا تعلّق على الأنشطة ذات العلاقة بتفويضات حماية المصالح”. وكانت وزارة الخارجية السويسرية قد نشرت تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) صباح الأحد، جاء فيها: تدين سويسرا بشدة الهجمات المنسّقة من إيران ضد إسرائيل. ويزيد هذا الهجوم المخاطر المحدقة بالمنطقة بشكل كبير”.

وقد ظلت سويسرا ممثلة للمصالح الأمريكية في إيران، منذ أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1980، (مباشرة بعد الثورة الإسلامية في إيران في 1979). وبفضل المساعي الحميدة السويسرية، تمكّنت الولايات المتّحدة وإيران من الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الدبلوماسية والقنصلية.

ويتولى قسم رعاية المصالح الأجنبية في السفارة السويسرية في طهران جميع الشؤون القنصلية الأمريكية في إيران، بما في ذلك طلبات تجديد جوازات السفر، واستخراج وثائق الحالة المدنية، وتوفير الحماية القنصلية للرعايا الأمريكيين.

وفي مقابل هذه الخدمات، ترسل برن إلى واشنطن فاتورة بقيمة مليونيْ فرنك سويسري سنويًّا، وفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الأمنية بالمعهد التقني الفدرالي العالي، في زيورخ عام 2012.

وانسجامًا مع تقاليدها في مجال المساعي الحميدة، تقوم سويسرا أيضا بدور الوسيط. فقد ساعدت، على سبيل المثال، في تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة في سبتمبر 2023. أمّا مصالح إيران في الولايات المتّحدة، فتمثّلها باكستان.

دور سويسريّ متميّز في صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران

تم نشر هذا المحتوى على 26 سبتمبر 2023 أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن شكره لسويسرا، إلى جانب دول أخرى من بينها قطر، لتسهيلها عمليةَ تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران.

 كما تمثّل سويسرا المصالح الإيرانية في مصر وكندا، ومصالح إيران في المملكة العربية السعودية، ومصالح هذه الأخيرة في إيران، وذلك منذ عام 2018. لكن في العام الماضي، تم الاستغناء عن هذا الدور، بعد أن قرر الطرفان المتنازعان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.

وكانت إيران والمملكة العربية السعودية قد أعلنتا في 10 مارس 2023 رغبتهما في استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد وساطة صينية. وأعقب ذلك إعلان طهران إنهاء تفويض سويسرا لتمثيل مصالحها في الرياض، اعتبارا من أغسطس 2023، في المقابل لم تنهِ الرياض حتى الآن التفويض بشكل رسمي.

على الرغم من العلاقات السويسرية- الإيرانية التي تمتد لعقود، إلا أن الوسيط السويسري لم يعد شريكا رئيسيا كما كان من قبل.

حيث يشرح سيروس شايغ، أستاذ التاريخ والسياسة الدولية في معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية (IHEID)، في جنيف في حوار مع سويس إنفو ، أنه في الوقت الذي تقوم فيه سويسرا بدورها كوسيط رسمي، لا يزال الوضع الحالي متوتّرًا للغاية، ما يجعل الرهانات عالية جدا إلى درجة أن الكثير من الاتصالات المهمة تتم بشكل مباشر وثنائي”.

 وكشفت فاينانشل تايمزرابط خارجي، على سبيل المثال، أنه، ولأوّل مرة، أجرى دبلوماسيون.ات أمريكيون.ات محادثات سرية مع نظرائهم.ن الإيرانيين.ات في سلطنة عُمان، في شهر يناير الماضي، وكان ذلك حول وقف محتمل لإطلاق النار في غزة وسلامة حركة الملاحة في البحر الأحمر. وعلى الرغم من عدم جلوسهم.نّ إلى طاولة واحدة، إلا أن هذه كانت أوّل مفاوضات شخصية تجري خلال ثمانية أشهر عبر وساطة عمانية تكفلت بنقل الرسائل بين الطرفيْن.

لماذا لدينا جنيف الدولية إذا كنا نلعب دور ساعي البريد فقط”؟

تم نشر هذا المحتوى على 11 سبتمبر 2020 أعرب طوماس ميندر، عضو مجلس الشيوخ الذي رافق وفدًا سويسريًا يقوده وزير الخارجية إلى إيران عن اقتناعه بإمكانية توسيع دور سويسرا كوسيط في المنطقة.

يسلّط هذا الحدث الضوء على عامل آخر يحدّ أكثر فأكثر من تأثير سويسرا في الملف الإيراني: الاستعداد المتزايد للاعبين إقليميين مثل عُمان وقطر وتركيا، للتدخل عند الضرورة للحفاظ على السلام. فلم يعد دور الوساطة حكرًا على سويسرا.

يقول شياغ: هناك جهات فاعلة عديدة في منطقة الخليج، والتي من الحيوي جدا بالنسبة إليها عدم خروج العلاقات الإيرانية الأمريكية عن مسارها، حتى لا تكون ضحية تقاطع النيران. كما أن لهذه الأطراف محاورين.ات مؤثرين.ات في إيران، وهو ما قد لا يكون متاحا للسويسريين.ات”.

ويرى البروفسور شياغ أن إيران ستبقي على القناة السويسرية مفتوحة، لأن واشنطن تثق في الجهة السويسرية. لكنّ الدور الذي يمكن أن تقوم به الدبلوماسية السويسرية سيظل محكوما بكونها وسيطا أساسيا من خارج المنطقة”.

اتفاقية سويسرية للتجارة الإنسانية مع إيران تُواجه التأخير وتطرح أسئلة

تم نشر هذا المحتوى على 26 يوليو 2020 سمحت المساعي الحميدة” السويسرية بين طهران وواشنطن بإطلاق قناة لإيصال مساعدات إنسانية ومواد طبية إلى إيران. فإلى أين وصلت الأمور؟

ويضيف أستاذ التاريخ والسياسة الدولية أن ” القضايا اليومية لا تختفي حتى أثناء الأزمات الكبرى”، مفترضًا استمرار سويسرا في أداء دورها بهذه الصفة، ولكن دون أن يكون دورًا حاسمًا”.

 وكانت سويسرا قد حاولت كسب المزيد من النفوذ مع إيران عبر رافعة الدعم التجاري. حيث تضمنت خارطة الطريق لتعزيز العلاقات بين البلديْن دعم سويسرا انضمام إيران إلى منظمة التجارة العالمية. كما وقّعت الدولة الواقعة في جبال الألب على اتفاقية التجارة الإنسانية السويسرية” (يُشار إليها اختصارا بـ SHTA)، مع إيران في عام 2020. وتسمح الاتفاقية المذكورة للشركات، التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، بإرسال أدوية وسلع حيوية أخرى إلى إيران على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

لكن سويسرا لم تنجح في تسويق نفسها لدى إيران كجسر للأسواق الغربية أو للاستثمارات الدولية فيها.

ويعود السبب في ذلك، وفق شايغ، إلى كون سويسرا ليست لاعبا اقتصاديا كبيرا في المجالات التي تهم إيران. مقارنة مثلا، بشركات النفط في إيطاليا وفرنسا التي تريد القيام بأعمال تجارية في إيران”، مضيفاً أنّ السبب الآخر هو أن إيران اتخذت قرارًا استراتيجيا بتقليص العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، وأنها تتطلع إلى القيام بالمزيد من التبادلات التجارية مع آسيا”.

هل تحتاج وسيطا دبلوماسيا؟ سويسرا مستعدّة للقيام بهذا الدور!

تضاعفت تفويضات رعاية المصالح” الممنوحة إلى سويسرا وأصبحت سبعة بعد أن كانت أربعة. فما سرّ هذه العودة الكبيرة للاهتمام بدور الوسيط الحميد الذي يضطلع به هذا البلد الصغير الكائن وسط جبال الألب؟

swissinfo.ch

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *